حكمــة البقــر
جمع بين ذراعيه حزمة من العشب ... سار متمايلا لم يقو على رؤية الطريق جيدا.. فحزمة العشب الكبيرة حجبت عنه الرؤية... رمى الحزمة في الحضيرة..أمام البقر ...نظرت إليه إحدى البقرات وأخذت تأكل العشب....راقبها بعض الوقت .. تمنى أن يجرب أكل العشب...فاخذ وريقات منه وألقاها في فمه ومضغها... تغير وجهه من سوء الطعم.. وبصق العشب... مسح بكمه شفتيه وقال: إنها مُرة ... مرة المذاق.... خاطبته إحدى البقرات: لما ألقيت العشب ولم تأكله؟
نظر فيها بإمعان واستغراب: لأني من البشر... فنحن العقلاء... لا نأكل العشب مثلكم.
دار ت البقرة عند أخواتها ضاحكة مستهزئة: البشر لا يأكلون العشب؟.
قالت الأخرى في سخرية وقد ارتمت على ظهرها من شدة الضحك:ألا تسمعين ما قال بأن البشر عقلاء...والعقلاء لا يأكلون العشب.... تعالت القهقهات من البقر وأحس هو بالدوار...وشدة الكمد...جلس إلى الأرض واخذ يتمعن جسمه... انتفض صارخا في وجه البقر: انتم مجرد حيوانات لا تسمع ولا تفهم ولا تعرف شيئا...صرخ بأعلى صوته كأنما يريد أن يقنعهم بأفضليته عليهم.
قالت الحكيمة من البقر: نحن لم ننكر جنسنا... ولم ننسلخ من ثوبنا..هكذا خلقنا نأكل ونشرب وننام... فهل العاقل يرضى أن يعيش ذليلا مهانا... مُضيعا لشتى القيم والنعم .. ظالما لأخيه العاقل و.. و.. ؟
ارتمى على ركبتيه واخذ يتحسس جسمه من جديد... أدرك أن الحكيمة قد أفحمته... رغم انه لم يُكمل سماع خطابها ...فقد كانت تسرد عليه مجازر البشرية ..من ظلم وقهر واستعباد... واعتداء على الطبيعة ومكوناتها..... بدا وكأنه يريد أن يتخلص من جسمه، من أفكاره، من كل ما حوله ...تمتم مع نفسه هل هو انهزام البشر أمام حكمة البقر؟.. تملى بنظراته المنكسرة في الحكيمة وخاطبها كأنه يعلن تبرأه من فعل البشر: هذا القناع الذي يتملكنا نذير شؤم... تحيط به الكوارث من كل جانب.. سألقي به فورا في النار...أشتت رماد جسمه المشؤوم على الجهات الأربع...وانظم إلى صفكم...أكل العشب واشرب وأنام...... تقدمت الحكيمة نحوه كأنما حز في قلبها ما سمعته من تألم وحسرة قائلة: احذر أن تفعل ذلك فالبشر سيعيرونك على الدوام بسلوكك المحزن ... وسيذكرون اسمك دائما بالأحمق والمجنون... الخارق لقانون البشر...أتريد أن تصبح بفعلك هذا هدفا للعنة البشر أجمعين؟
تمعن في قولها متمتما: حسنا...ما دمت ترين ذلك.. فاني لن أضع حدا لحياة هذا القناع المشوه، الذي يسكنني... لكنني اقسم أني سأضيق عليه الخناق، حتى يعود من تلقاء نفسه إلى أصله الأول..الذي جُبل عليه...من معاني المحبة والإخاء والصفاء....
الساعة الثامنة... رن الجرس وأسرع في خطاه إلى مدرسة القرية... استوقفه قطيع من البقر يمر أمام بوابة المدرسة...وقف مطأطأ الرأس ثم تمتم مع نفسه: الحكمة ضالة البشر أنى وجدها فهو أحق بها، ولو من أفواه البقر.[/b] رضوان – ورزازت في: 19/02/2011