المقامة الورزازية في حكايات أوجاع أبي مروان المزرية
مررت بربوة تطل على مدخل البلد.. فرأيت رجلا جالسا ينظر، وفي وجهه علامات الكمد.. اقتربت منه، فإذا هو أبو مروان الورزازي قد بدت على محياه اثر التعب، نظرت في عينيه فإذا هما مغرورقتان من شدة الألم والكمد.. دنوت منه وخاطبته:
- ما الخطب يا أبا مروان؟
- أجابني قائلا:
بالقلب كلوم يسيل منها الدم النجيع، وآلامي نالت ما قد تناله القنا والقنابل... تألمت لنفسي فأشفق علي من هو يحلم والحياة مريرة.. ومن هو عليل والأنام غضاب... تألمت للإخلاء المعطوبين تحث سقف الوفاء.. فخفف علي صدق المحبة وفضل الرجاء..لكنني أصارع المرارة والضرر كلما تحرك الجرح.. جرح الوطن.
- حب الوطن من الإيمان..؟
-نعم، كلام صحيح وواجب صريح، أمنت به ولا زلت، لكنني لا أخفي كمدات النار التي رُسمت على قلبي..وذكريات مسقط راسي منقوشة في ذاكرتي كالعَلم.. تمنيت لو كنت مجرد طفل رضيع.. لا يعي معنى المعشر الوضيع.. مشاهد اعريها لكي يكون لكراهيتي سبب.. ولشدة غضبتي سند.. وللكائنات الجامدة في مسقطي مثيلات تأكل وتشرب.. تتكلم وتمشي في الأسواق وتلعب.. أعجاز نخل خاوية من القيم.. مضيعة لشتى النعم.. نعوذ بالله بفعالها من النقم..خاملون لا يتقنون إلا الوشاية والخوار.. يتحدثون فيبهرون سامعيهم حتى يحسبهم ثوارا..وعند العد لا تكاد تجد فيهم غير ذي وجهين، لا يتقن إلا الغيلة ولا يحدث إلا الدوار، وبئس البوار.. نافخوا كير قومنا، بارعون في الحسد.. يتكاثرون بالأعداد.. ويحكمون بالضياع على الولد.. إلا من رحم الفرد الصمد. أو من نجى من العي واحتجب.. وبالأيدي يشار إليه أنت غريب في ذا البلد.
اتكأ أبو مروان قليلا وتنفس الصعداء وقال:
يومئذ مر الجهل وأنا جالس تحث شجيرة العنب.. فسألته: عن نصيبه من البلد..؟
فقال: كل البلد؟ ولي شركاء كثيرون متضامنون.. الخوف سيد.. والفقر أمير.. والمرض وزير...و.. حكى لي حتى استحييت واستجرت.. فانصرف لا عن البلد.. ولكن عن سبيلي والأحرار.. ونعوذ بالله من حال أهل النار.
تمنيت لقاءه وهو ما تم ببساطة.. لأنه موجود في كل مكان.. ويطاردنا في كل الأزمان.. وكان الهدف أن أساله واهدده في نفس الآن.. بداني بالكلام، فحياني في استهتار.. وفي استعلاء المستعمر الجبار.. فسألته: متى الرحيل؟
قال في سخرية حتى يقبل بنو صهيون الرحيل من... قاطعته بطعنة الحر الأصيل.. أنت راحل- قبح الله سعيك-وحاشيتك التي ذكرت ولو بعد حين..فقط سألتك مستنكرا .. أما الجواب السليم الصريح فقد قرأته في العيون البريئة لبراعم الطفولة تشدو الأمل الفواح.. براقة تعد بالرجولة والفلاح.. رموز الهداية والصلاح.. ضد الجهل والفقر والمرض والجراح.
انتفض من مكانه كالمسعور وسار متجها صوب الربوة، كأنه يريد أن يودع البلد.
خاطبته: ولكنك لم تتم الحديث.؟
أجابني: الحديث ذو شجون، والخطب يعصف كالمجنون، والناس في سبات وسكون، والزمان يمر، ولا يرحم المحموم، وكل في كتاب مكنون.[/b]
رضوان الرقبي
ورزازات في: 11/02/1998