طفل قريتنــــــــــــا أو حكمة ترشيد المال العام
ولادة :
ـــــــــــــــ
الطفل في قريتنا يولد عداء بالفطرة
يولد عاريا فيبقى عاريا ..
يجري حافيا يسابق رفاقه بلا جدوى ..
متسلق بارع لنبات الصبار
لا يهاب الأشواك والسقوط
فالصبار صديقه
يصنع منه ألعابا مدهشة
يخبئ تحت جذوره أشياءه الثمينة
و يأكل فاكهته صيفا... بحذر
الطفل في قريتنا لا يشتري الألعاب
يصنع كرة من مزق الأثواب
دراجة من قصب
أو من إطار عجلة قديم
كل ما يجده فهو مشروع لعبة
بيض الجيران
علب السردين الصدئة
كتب إخوته الكبار
بيوت النمل
و أعشاش الطيور
إلى المدرسة :
ـــــــــــــــ
الطفل في مدرستنا محكوم بالنجاح
ما عليه إلا ان يغير هواية الجري بسباق الماراتون
و يتعود حمل الأثقال
لا يهم أن يتقن القراءة و الكتابة
لا يهم أن يتقن الحساب أو يمارس الألوان
في نهاية السنة و مع غبار الحصاد
يسلمونه ورقة صفراء
ممزقة بعنف من دفتر يكرهه الاستاذ
عليها خربشات غريبة
لا داعي لنقلها هنا
مكتوب في أسفلها -- ينتقل حسب الخريطة --
و هي عبارة جغرافية لا يفهمها إلا أهلها
هي فلسفة و كلام في السياسة . - مع اني لا أمتهن حرفتها - سأمارسها قليلا للضرورة
و أقول باختصار أن حكومتنا رشيدة جدا في تدبير المال العام
لذلك لا تسمح بضياع مقعد خشبي
و لذلك ينجح طفل قريتنا
المهم أن مقعده سيستفيد منه طفل ناجح آخر
لذلك فمدرستنا تحمل بافتخارهذا الاسم : " مدرسة النجاح "
دعنا من السياسة و أوجاعها ... نعود الآن لطفلنا الناجح
أراه الان في فضاء شاسع
حقل حديث الحصاد - الحصيدة بلغة القبيلة -
يحمل عصاه
و أمامه ثلات نعجات و بقرة شاحبة
صفراء باهت لونها
لا تسر الناظرين
- بالمناسبة لا شيء يسر في قريتنا ! -
حاف كعادته منذ زمن الولادة
و الأديم كشر عن أنيابه أعوادا و أحجارا
لا أظنه يكثرت لنجاحه
ولا أظنه يستمتع بأشعة الشمس
أراها تحرق ما تبقى من بياض وجهه وأطراف يديه
و أراه خارج الزمن لا يعد الساعات
ينتظر أن يبقى بين الشمس و الأفق قدر عصاه
لا ترهقوا أنفسكم في فهم منهجه التجريبي
لم يتعلمه في مدرسة النجاح على أية حال
و قد يحسب الوقت بمقدار جوعه
أو بأشياء أخرى لا يدركها المنهاج الدراسي
و لم تسمع بها الحكومات الرشيدة
العيـــد :
ـــــــــــــــ
أقبل العيد على قريتنا يحمل بشائر فرح طال انتظاره
لكن الطفل لا يفهم المغزى من الأعياد و لا تهمه تصنيفاتها
العيد عنده استراحة من المدرسة
من عصا المعلم التي تحرمه النوم
العيد عنده تغير مفاجئ في نضام التغذية
و في أحسن الأحوال سروال و قميص جديدين
و دريهمات هدايا من الكبار
لا يكاد يفرح بصوتها في جيبه حتى تقترضها الأم إذا حل عليهم ضيف مفاجئ
على أي حال هو لا يحتاجها
ألعابه يصنعها بيديه
و المادة الخام متوفرة في الأعياد
علب الحليب الكرتونية
هرمية الشكل
يستغل انشغال الأم بضيوفها ليسرق بعض السكر و أعواد الثقاب
الوجهة الآن صديقته شجرة الصبار
تحتها سيشعل نارا
يذيب السكر
ثم يسكبه في حواشي علبة الحليب
يغرس عودا و ينتظر حتى يبرد عسل السكر و يتجمد
و النتيجة باهرة
حلوى تقليدية الصنع بامتياز ...
و احتفال
...
عودة الى المدرسة :
ـــــــــــــــ
طفل قريتنا الناجح سيعود إلى مدرسة النجاح
سيدخل نفس القسم
كما أن معلمه لم يتغير
و رفاقه أيضا
لا يفهم رغم أنه ناجح تبدو الأشياء على حالها
و من يفهم ؟
عودة خاطفة لحديث السياسة للضرورة القصوى:
وحدها حكومة قريتنا الرشيدة
تسمي هذه الفوضى في ذاكرة الطفل
أقساما مشتركة أو أقساما متعددة المستويات :
مدرس واحد في فصل واحد في زمن واحد لمستويين أو أكثر
و الدافع طبعا : ترشيد المال العام
.....
طفل قريتنا لا تهمه السياسة فهو ناجح في كل الأحوال
و هو متحمس جدا ٬ إضافة الى اللغة العربية التي أتقنها في نجاحه الأول
سيتعلم اللغة الفرنسية في نجاحه الثاني
أليس الأمر رائعا
بالإضافة الى نواميس الحساب و الهندسة
وأصول الفن التجريدي و التكعيبي
و الموسيقى
و علوم الفقه و اختلافات المذاهب و أصول الأحكام
كما أن المنهج التجريبي حاضر بقوة
و تكنولوجيا المعلومات الحديثة طبعا
أو ما تسميه حكومة قريتنا الرشيدة : - برنامج جيني - و هي كلمة فرنسية أظنها تدل على عبقر
و الأجمل أنه سيتسنى له إعادة ذكرياته مع نجاحه الأول
شيء واحد يزعجه
فقد لاحظ أن وجه المدرس ازداد شحوبا
و عدد سجائره قد تضاعف
-- لا مجال للحديث هنا عن ولادة المعلم ونجاحاته وأعياده ولا عن شجرة صباره --
بوادر لا تبشر بالخير على الإطلاق
خصوصا في حصص الشكل و الإعراب
و استظهار القرآن
....
طفل قريتنا أخذه الحنين لصبارته الحبيبة
و ألعابه المخبأة بعناية تحتها
ينتظر ... بصمت ينتظر
لا يعد الوقت... و حتى لو أراد ذلك فهو لا يعرف
ينتظر إشارة الخروج من المعلم
فمدرسة قريتنا لا تملك جرسا
كما أنها لا تملك أبوابا
و السبب تعرفونه ..
و تعرفه حكومتنا الرشيدة
ترشيد المال العام
-----
حميد العمراوي