بدرالدين الإدريسي لا توضع الكرة الذهبية لأفضل لاعب كرة القدم في العالم في السنة إلا بين يدي مبدع أتى في الليالي المظلمة بالبدور، جلب في الأوقات الصعبة لحظات السعد وأعطى من وهجه وروحه نورا أضاء الطريق لفريقه.
ولا يؤتمن على الكرة الذهبية إلا لاعب خارق تفوق بالتخيل وبالخلق وبالقدرة الرهيبة على العطاء عن كل زملائه في مراتع الإبداع، هكذا تقدم نفسها جائزة الكرة الذهبية الأكثر كونية وأهمية بين كل الجوائز التي تحتفي بالمبدعين في العالم، على أنها جائزة تذهب لمن يستحقها، ومن لم يصدق فما عليه إلا أن يطلع على المعايير الصارمة والدقيقة الموضوعة كأساسات للاختيار وأيضا المسالك التي يمر منها الاختيار.
ولكنني أرى في الفضاء المضاء بالكثير من علامات العدالة والانصاف والديموقراطية زاوية معتمة تقول بأن تلك العدالة إنما هي عدالة نسبية أو لنقل عدالة غير مكتملة، فعلى امتداد السنوات الخمس والخمسين التي هي عمر جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب كرة قدم في العالم أصيب نجوم خارقون بظلم كبير، فقد استجابوا لكل المعايير الفنية والأخلاقية والإبداعية وتطابقوا تطابقا كاملا مع الطبيعة الخرافية التي يستدعيها ذات وقت وجود عينات كثيرة من اللاعبين الخوارق، إلا أنهم لم يمنحوا الكرة الذهبية وكان ذنبهم الوحيد في ذلك أنهم يلعبون حراسا للمرمى.
يستطيع أي منا أن يتبين هذا الانحياز الطبيعي والظالم الذي نبديه كجماهير عاشقة تعبر عن عشقها بالولاء والانتماء وكمحللين ونقاد توكل لهم مهمة التأريخ والتصنيف إلى قبيلة المهاجمين الهدافين، عندما يطلع على لائحة النجوم الذين منحوا الكرة الذهبية لأفضل لاعب كرة قدم، فقد فاز بالجائزة 31 مهاجما، 20 وسط ميدان، أربعة مدافعين وحارس مرمى واحد.
وقد كان لزاما أن يكون ليف ياشين الملقب بالعنكبوت حارس مرمى من صنف الخوارق التي لا تتكرر إلا نادرا، وأن يقدم سنة 1963 عندما كان أمينا على عرين الاتحاد السوفياتي سابقا وناديه دينامو موسكو ما يدل على وجود عبقرية لا تضاهى، كما كان ضروريا أن تقدم ألمانيا قيصرا اسمه فرانز بيكنباور لم يسبقه إلى الأناقة وروعة الأداء الدفاعي والهجومي والروح القيادية مدافع آخر، ليكون واحدا من الثلاثة مدافعين الذين نالوا الجائزة، بل إن أسطوريته وضعت هذه القلادة على رأسه مرتين.
غير ليف ياشين الروسي أعطت كرة القدم العالمية حراس مرمى رائعين بل وأسطوريين آخرهم القديس إيكر كاسياس الأمين على عرين الماتادور الإسباني وريال مدريد والذي لم يجد الى الآن طريقه إلى جائزة الكرة الذهبية برغم كل الذي يناله من ألقاب مع ناديه ومع منتخب بلاده وبرغم ما يبرع في وضعه من أساسات لمدرسة قائمة بذاتها يرتادها من دون أدنى شك الملايين من الحالمين بسيرة ذاتية في نفس نقاوة وقوة سيرة كاسياس وأيضا من العاشقين لأسلوبه في تدبر الشهرة وفي تقديس الإبداع.
قد يكون كاسياس ظلم من زمنه الذي يعرف حضور العديد من الخوارق أبرزهم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي يخضع لحكمه الملايين ويضم كل يوم لإمارة العشق والإبداع الخارق ممالك كثيرة، إلا أن ما أصبحت عليه سيرة كاسياس من أنطولوجية تجعلنا ندافع عن حقه لا لأن يكون منافسا على الجائزة فحسب ولكن ليكون ثاني حارس مرمى ينال الكرة الذهبية بعد ليف ياشين.
قطعا لن تكون هناك حاجة للاستدلال بما أنجزه كاسياس من خوارق سابقة، فسنته الحالية هي أيضا سنة رائعة، لقد بدأها بإعادة ريال مدريد إلى سكة الألقاب عندما استعاد لقب الليجا من الغريم برشلونة، وأكملها بقيادة لاروخا للاحتفاظ بلقبها القاري.
وحتما إن نحن فتشنا في تضاريس هذه الألقاب سنجد جبالا ووديانا مقيدة باسم القديس، على قمتها وفي سفوحها رايات إبداع بإسم كاسياس تطلب الكرة الذهبية ليكتمل العدل.